سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قوله تعالى: {وإِنَّ لكم في الأنعام لعبرةً نُسقِيكُم} وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {نَسْقِيكُم} بفتح النون. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بضمها. وقد شرحنا هذا في [النحل: 66] إِلى قوله تعالى: {ولكم فيها منافع كثيرة} يعني: في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها {ومنها تأكلون} من لحومها وأولادها والكسب عليها.
قوله تعالى: {وعليها} يعني: الإِبل خاصة {وعلى الفُلْك تُحْمَلُون} فالإِبل تحمل في البَرِّ، والسفن تحمل في البحر.


قوله تعالى: {ولقد أرسلْنا نوحاً إِلى قومه} قال المفسرون: هذا تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذِكْر هذا الرسول الصابر ليتأسَّى به في صبره، وليعلم أن الرسل قبله قد كُذِّبوا.
قوله تعالى: {يريد أن يتفضَّل عليكم} أي: يعلوكم بالفضيلة، فيصير متبوعاً، {ولو شاء الله} أن لا يُعبَد شيء سواه {لأنزل ملائكة} تبلّغ عنه أمره، لم يرسل بشراً {ما سمعنا بهذا} الذي يدعونا إِليه نوح من التوحيد {في آبائنا الأولين}. فأما الجِنَّةُ فمعناها: الجنون.
وفي قوله: {حتى حين} قولان:
أحدهما: أنه الموت، فتقديره: انتظروا موته.
والثاني: أنه وقت منكَّر.
قوله تعالى: {قال ربِّ انصرني} وقرأ عكرمة، وابن محيصن: {قال ربُّ} بضم الباء، وفي القصة الأخرى [المؤمنون: 39].
قوله تعالى: {بما كذَّبونِ} وقرأ يعقوب: {كذَّبوني} بياء، وفي القصة التي تليها أيضاً: {فاتقوني} [المؤمنون: 52] {أن يَحْضُروني} [المؤمنون: 98] {ربِّ ارجِعوني} [المؤمنون: 99] {ولا تكلِّموني} [المؤمنون: 108] أثبتهن في الحالين يعقوب، والمعنى: انصرني بتكذيبهم، أي: انصرني بإهلاكهم جزاءً لهم بتكذيبهم. {فأوحينا إِليه} قد شرحناه في [هود: 37] إِلى قوله: {فاسلك فيها} أي: أدخل في سفينتك {من كلٍّ زوجين اثنين} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {من كلِّ} بكسر اللام من غير تنوين. وقرأ حفص عن عاصم: {من كلٍّ} بالتنوين. قال أبو علي: قراءة الجمهور إِضافة {كلّ} إِلى {زوجين}، وقراءة حفص تؤول إِلى زوجين، لأن المعنى: من كل الأزواج زوجين.
قوله تعالى: {وقُلْ ربِّ أنزلني مُنْزَلاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {مُنْزَلاً} بضم الميم. وروى أبو بكر عن عاصم فتحها. والمَنزِلُ، بفتح الميم: اسم لكل ما نزلتَ به، والمُنْزَلُ، بضمها: المصدر بمعنى الإِنزال؛ تقول: أنزلتُه إِنزالاً ومُنْزَلاً.
وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان:
أحدهما: عند نزوله في السفينة.
والثاني: عند نزوله من السفينة.
قوله تعالى: {إِن في ذلك} أي: في قصة نوح وقومه {لآيات وإِنْ كُنَّا} أي: وما كنا {لَمُبْتَلِينَ} أي: لمختبرين إِياهم بإرسال نوح إِليهم. {ثم أنشأنا من بعدهم قرْناً آخَرين} يعني: عاداً {فأرسلنا فيهم رسولاً منهم} وهو هود، هذا قول الأكثرين؛ وقال أبو سليمان الدمشقي: هم ثمود، والرسول صالح. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: {أَيَعِدُكُمْ أنَّكم} قال الزجاج: موضع {أنَّكم} نصب على معنى: أَيَعِدُكُمْ أنَّكم مخرجون إِذا مِتُّم، فلما طال الكلام أُعيد ذِكْر {أنَّ} كقوله: {ألم يَعْلَمُوا أنَّه مَنْ يُحادِدِ الله ورسوله فأنَّ له نار جهنَّم} [التوبة: 63].
قوله تعالى: {هيهات هيهات} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {هيهاتَ هيهاتَ} بفتح التاء فيهما في الوصل، وإِسكانها في الوقف.
وقرأ أُبيّ ابن كعب، وأبو مجلز، وهارون عن أبي عمرو: {هيهاتاً هيهاتاً} بالنصب والتنوين. وقرأ ابن مسعود، وعاصم الجحدري، وأبو حيوة الحضرمي، وابن السميفع: {هيهاتٌ هيهاتٌ} بالرفع والتنوين. وقرأ أبو العالية، وقتادة: {هيهاتٍ هيهاتٍ} بالخفض والتنوين. وقرأ أبو جعفر: {هيهاتِ هيهاتِ} بالخفض من غير تنوين، وكان يقف بالهاء. وقرأ أبو المتوكل الناجي، وسعيد بن جبير، وعكرمة: {هيهاتُ هيهاتُ} بالرفع من غير تنوين، وقرأ معاذ القارئ، وابن يعمر، وأبو رجاء، وخارجة عن أبي عمرو: {هيهاتْ هيهاتْ} باسكان التاء فيهما. وفي {هيهات} عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء، والثامنة: إِيهات، والتاسعة: إِيهان بالنون، والعاشرة: إِيها بغير نون، ذكرهن ابن القاسم؛ وأنشد الأحوص في الجمع بين لغتين منهن:
تذكَّرُ أياماً مَضَيْن من الصِّبا *** وهيهاتِ هيهاتاً إِليك رجوعُها
قال الزجاج: فأما الفتح، فالوقف فيه بالهاء، تقول: هيهاه إِذا فتحت ووقفت بعد الفتح، فإذا كسرتَ ووقفتَ على التاء كنتَ ممن ينوِّن في الوصل، أو كنتَ ممن لا ينوِّن. وتأويل هيهات: البُعد لِما توعَدون. وإِذا قلتَ: هيهات ما قلت، فمعناه: بعيد ما قلت. وإِذا قلتَ: هيهات لما قلت، فمعناه: البعد لِما قلت. ويقال: أيهات في معنى هيهات، وأنشدوا:
وأيهاتَ أيهاتَ العقِيقُ ومَنْ بهِ *** وأيهاتَ وصلٌ بالعقيقِ نُواصله
قال أبو عمرو بن العلاء: إِذا وقفت على {هيهات} فقل: هيهاه. وقال الفراء: الكسائي يختار الوقف بالهاء، وأنا اختار التاء.
قوله تعالى: {لِمَا تُوعَدُون} قرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: {ما تُوعَدُون} بغير لام. قال المفسرون: استبعد القومُ بعثهم بعد الموت إِغفالاً منهم للتفكُّر في بدوِّ أمرهم وقُدرة الله على إِيجادهم، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبداً، {إِن هي إِلا حياتنا الدُّنيا} يعنون: ما الحياة إِلا ما نحن فيه، وليس بعد الموت حياة.
فإن قيل: كيف قالوا: {نموت ونحيا} وهم لا يقرُّون بالبعث؟
فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج.
أحدها: نموت ويحيا أولادنا، فكأنهم قالوا: يموت قوم ويحيا قوم.
والثاني: نحيا ونموت، لأن الواو للجمع، لا للترتيب.
والثالث: أبتداؤنا موات في أصل الخلقة، ثم نحيا، ثم نموت.
قوله تعالى: {إِنْ هو} يعنون الرسول. وقد سبق تفسير ما بعد هذا [هود: 7، النحل: 38] إِلى قوله: {قال عَمَّا قليل} قال الزجاج: معناه: عن قليل، وما زائدة بمعنى التوكيد.
قوله تعالى: {ليُصْبِحُنَّ نادمين} أي: على كفرهم، {فأخذتْهم الصَّيحة بالحق} أي: باستحقاقهم العذاب بكفرهم. قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم، فصاروا لشدَّتها غُثاءً. قال أبو عبيدة: الغُثاء: ما أشبه الزَّبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا يُنتفَع به في شيء. وقال ابن قتيبة: المعنى: فجعلناهم هَلْكَى كالغُثاء، وهو ما علا السَّيل من الزَّبد والقَمش، لأنه يذهب ويتفرَّق.
وقال الزجاج: الغُثاء: الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إِذا جرى السَّيل رأيته مخالطاً زَبَده. وما بعد هذا قد سبق شرحه [الحجر: 5] إِلى قوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر: {تترىً كلَّما} منونة والوقف بالألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي: بلا تنوين، والوقف عند نافع وابن عامر بألف. وروى هبيرة، وحفص عن عاصم، أنه يقف بالياء؛ قال أبو علي: يعني بقوله: يقف بالياء، أي: بألِفٍ مُمالة. قال الفراء: أكثر العرب على ترك التنوين، ومنهم من نوَّن، قال ابن قتيبة: والمعنى: نُتَابع بفترة بين كل رسولين، وهو من التَّواتر، والأصل: وَتْرَى، فقُلبت الواو تاءً كما قلبوها في التَّقوى والتخمة. وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال: معنى واتَرْتُ الخَبرَ: أتْبَعْتُ بعضه بعضاً، وبين الخبرين هُنيَّة وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم: تواترتْ كتُبي إِليك، يعنون: اتصلتْ من غير انقطاع، فيضعون التواتر في موضع الاتصال، وذلك غلط، إِنما التواتر مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه، وهو التفاعل من الوِتر، وهو الفرد، يقال: واترتُ الخبر، أَتْبعتُ بعضه بعضاً، وبين الخبرين هُنَيهة، قال الله تعالى: {ثم أرسلنا رُسُلنا تترى} أصلها وَتْرى من المواترة، فأبدلت التاء من الواو، ومعناه: منقطعة متفاوتة، لأن بين كل نبيَّين دهراً طويلاً. وقال أبو هريرة: لا بأس بقضاء رمضان تترى، أي: منقطعاً. فإذا قيل: واتر فلان كتبه، فالمعنى: تابعها، وبين كل كتابين فترة.
قوله تعالى: {فأتْبَعْنَا بعضَهم بعضاً} أي: أهلكنا الأمم بعضهم في إِثر بعض {وجعلناهم أحاديث} قال أبو عبيدة: أي: يُتمثَّل بهم في الشرِّ؛ ولا يقال في الخير: جعلتُه حديثاً.


قوله تعالى: {فاستكبروا} أي: عن الإِيمان بالله وعبادته {وكانوا قوماً عالين} أي: قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم.
قوله تعالى: {وقومُهما لنا عابدون} أي: مطيعون. قال أبو عبيدة: كل من دان لملِك فهو عابدٌ له.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7